الدكتورة باته البراء تكتب ... وهل يعرف "بكن" أن يمدح؟

أحد, 02/04/2024 - 23:31

ذات تحكيم أيام برنامج "شاعر الرسول"، كنا قد دأبنا على أن نختار شاعرا موريتانيا في كل حلقة، فنقدم سيرته الذاتية، وبعض مدائحه النبوية.  
وطلبوا مني أن أقدم نبذة عن الشيخ " البراء بن بگي"، وأثناء الحديث عنه ذكرت عرضا أن الشاعر أبو بكر الملقب "بكن" الفاضلي مدحه بأبيات كانت السبب في عودته إلى مرابع القبيلة بعد أن هجرها زمنا.

  فقاطعني أحد الأساتذة متسائلا ومتعجبا:  
  -وهل يعرفُ بَكِّنْ أن يمدح"؟ 

لقد كان للسؤال وجاهته، فارتباط ذكر الشاعر بقصائد هجائية، جعل الكثيرين يأخذون عنه فكرة مسبقة، ويصنفونه مع الحطيئة، وبشار بن برد، ودعبل الخزاعي، وغيرهم ممن طالت ألسنتهم القاصي والداني. 

ومما يروى أن بكن عندما قال قصيدته:
ألا يَا بَنِي دَيْمَانَ إنِّيَ فَاعْلَمُوا ** نَذِيرٌ لكمْ مِمَّا بهِ العِرْضُ يُكْلَمُ
قال له خاله: (لا تكن لنا بشيرا ولا نذيرا، أعطينَ منكْ العافيَه ؤتوفْ)
غير أن الشاعر "بكن" كانت له وقفات جميلة في أغراض الشعر الأخرى، وخاصة المدحَ.

ومن طُرَفِ المجالس أن الشيخ محمد يحي بن سيد أحمد وكان يعمل مع الشيخ المختار بن حامد في موسوعته أيام السبعينات، سأله "اتاه" عن الشعراء الذين مدحوا الأحمديين، فقال محمد يحي: "لَاهِي انْسَبَّگْ لَكْ بَكِّنْ بِيهْ أّلْلِّي مَاهُو مَدَّاحْ"، وذكر قوله فيهم:

مَا إِنْ رَأَيْـنَا حُـلَّــــةً أَجْـوَدَا ** فِي النَّاسِ مِنْ آلِ أَبِي أَحْمَدَا
فَـمُـبْـتَـدَاهُمْ رَفْعُهُ ظَاهِرٌ ** كَـذَاكَ أَيْضًا خَبَـــــرُ الْـمُبْـتَــــدَا

ويقول "بكن" في القاضي عبد الرحمن بن لمرابط بن متالي، بعد حكم الأخير في نازلة من محمد لمين المعروفة:
مَـا كَـانَ لِلْـحَــقِّ مِـنْ وَالٍ وَلَا تَــــالِ ** لَـوْلَا الْإِلَـهُ وَلَـوْلَا نَجْـــلُ مُـتَّــــالِي
أَمْـسَى نِهَـابًـا لِأَهْــلِ الْغَيِّ يَخْـتِـلُــهُ ** مِنْ صَائِدِيهِـمْ سَفَـاهًا كُلُّ خَتَّـالِ
ولَــمْ يَـــــرُدَّ لَــهُ عَـــدْلٌ وَلَا حَـ،كَـــــمٌ ** وَلَا تَـــلَافَـــاهُ مَـتْـلُــــــوٌّ وَلَا تَــــــالِ
وَكَادَ إِذْ كَـادَ جُـنْــدُ الْغَـيِّ يَـطْـرُدُهُ  ** فَانْـتَـاشَهُ عَابِدُ الرَّحْمَانِ مِنْ تَالِ
وَذَبَّ عَـنْهُ بِعَـضْــــبٍ صَـارِمٍ ذَكَــرٍ ** مُـهَـنَّـدٍ، لِجُـنُـودِ الْغَـيِّ مُـغْـتَــــالِ 
فأصبَحَ الْحَقُّ فِي أَمْنٍ وَفِي دَعَـةٍ ** بَعْـدَ الْمَهَانَةِ يَمْشِي مَشْيَ مُخْتَالِ
يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى الْهَادِي وَشِيعَتِهِ ** وَجَازِ خَيْـرًا عَنِ الْحَقِّ ابْنَ مُتَّالِي

وذات سنة مجدبة، منح أحد وجهاء قبيلته ويسمى "عبد العزيز" قطيعا من البقر لأسرة نزلت على الحي، ولم يكن لديها ما يقيم الأود ؛ فحرك هذا الفعل النبيل دواعي القول لدى "بكن" ؛ فمدحه قائلا : 
 أرَى عَـبْـــدَ العَــزيــزِ فَــتًى إذَا مَــــا ** تَـتَـايَعَتِ السِّـنِيـنُ عَلَى السِّـنِـيـنِ 
يَـصُـولُ عَلَى الْمَكَارِمِ لَيْسَ يَـلْـوِي ** لِـدَفْـعِ النَّـائِـبَــاتِ عَلَى مُـعِــيــــنِ  
حَـقِـيـقًـا مَـا رأيْــــتُ أَحَـــــقَّ مِـنـــــهُ  ** بِـقَـــوْلٍ فِـي عَــرابــــةَ مُسْـتَـبِـينِ 
"رَأَيْـــتُ عرَابَـةَ الْأَوْسِـــيَّ يَـسْـمُــــو ** إلَى الْـخَيْــرَاتِ مُنْـقَطِعَ الْـقَـرِيـنِ
إِذَا مَــــا رَايَـــــةٌ رُفِــعَــــتْ لِـمَـجْــــــدٍ ** تَـلَـقَّــاهَا عـــرَابَــــــــةُ بِالْـيَـمِــيــــنِ"  

وعندما دخل الفاضليون قومه شريعة حامية الوطيس مع إحدى قبائل المنطقة، وانقسم أصحاب الفتيا ما بين مؤيد ومعارض، وصل الأمر إلى الحاكم الفرنسي بالمذرذره، وحشر الناس لليوم الموعود، وقرر القاضي استنادا إلى فتاوى العلماء، القضاء للقبيلة المناوئة لقبيلته، ولم يبق إلا أن يختم الحاكم الفرنسي على الحكم الصادر من القاضي ليصبح ساري المفعول. 

فبادر وجيهان من القبيلة تحت جنح الليل إلى الحي الذي يقيم فيه "المرابط" البراء بن بگي مستنجدين به، وكان قد أسن وأخذ منه الكبر، فلما سمع نأمة الجمل أمام الخباء قال لزوجه: "لقد صدر الحكم على القوم"، وقد كانت للشيخ وقتها موجدة عليهم.

لم يتردد في الذهاب معهما، وتخيرا له مركبا ذلولا، ووصل الركب صبحا إلى المذرذره، وقد غصت بأنصار الفريقين، فقصد الشيخ مباشرة منزل القاضي وطلب منه أن يطلعه على حيثيات الحكم، وعندما طالعها، قال: يا ولدي، المسألة تنظر في الدماءات لا الجنايات، ثم نقض الحكم من أساسه وصدرت الفتوى لصالح ذويه.
ويرجع الشيخ إلى مضارب حيه عند "بَظِي"، فيلتم جمع القبيلة وتقرر أن تراضي البراء بعد أن حمل لها نصرا غير متوقع.

فتزور بنات عبقر "بكن" ويقف بين يدي الشيخ منشدا:
 
أَتَـيْـنَــــاكَ وَفْــــــدًا يَــا بَــــــرَاءُ نُــرِيـــــــدُ ** بِـأَنَّـكَ مَـعْـنَــا لِلْخِـيَّـــامِ تَــعُـــــــودُ 
فإنَّ لَـنَــا شَــوْقًــا إلَـــيْــكـــــم مُـبَـــــرِّحًـا ** تَضَاعَــفَ حَتَّى مَا عَلَيْهِ مَــزِيـــدُ 
وَأضْحَى لِسَانُ الحَالِ منْ بَعْــدِكُمْ لَهُ ** بأبياتِ شِعْرٍ في يَزِيدَ نَــشِـيـــــدُ 
"أَبَـا خَالِدٍ ضَاقَــتْ خُرَاسَـــانُ بَعْـدَكُــمْ ** وَقَـالَ ذَوُو الْحَاجَاتِ أَيْـنَ يَـزِيــدُ؟
فَمَـا قَـطَــرَتْ بِالشَّــامِ بَـعْـــدَكَ قَطْرَةٌ **وَمَا ابْـتَـلَّ بِالْمَرْوَيْنِ بَعْـدَكَ عُـودُ" 

نعم، يبدو أن بكن الفاضلي يعرف أن يمدح، كما يعرف أن يهجو!

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة